سورة النمل - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النمل)


        


{إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا سَآَتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آَتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (7)}
{إِذ} منصوب بمضمر، وهو: اذكر، كأنه قال على أثر ذلك: خذ من آثار حكمته وعلمه قصة موسى. ويجوز أن ينتصب بعليم.
وروي أنه لم يكن مع موسى عليه السلام غير امرأته، وقد كنى الله عنها بالأهل، فتبع ذلك ورود الخطاب على لفظ الجمع، وهو قوله: {امكثوا} [طه: 10]. الشهاب: الشعلة. والقبس: النار المقبوسة، وأضاف الشهاب إلى القبس لأنه يكون قبساً وغير قبس. ومن قرأ بالتنوين: جعل القبس بدلاً، أو صفة لما فيه من معنى القبس. والخبر: ما يخبر به عن حال الطريق، لأنه كان قد ضله.
فإن قلت: سآتيكم منها بخبر، ولعلي آتيكم منها بخبر: كالمتدافعين: لأنّ أحدهما ترجّ والآخر تيقن.
قلت: قد يقول الراجي إذا قوي رجاؤه: سأفعل كذا، وسيكون كذا مع تجويزه الخيبة.
فإن قلت: كيف جاء بسين التسويف؟ قلت: عدة لأهله أنه يأتيهم به وإن أبطأ، أو كانت المسافة بعيدة.
فإن قلت: فلم جاء بأو دون الواو؟ قلت بنى الرجاء على أنه إن لم يظفر بحاجتيه جميعاً لم يعدم واحدة منهما: إمّا هداية الطريق؛ وإما اقتباس النار، ثقة بعادة الله أنه لا يكاد يجمع بين حرمانين على عبده، وما أدراه حين قال ذلك أنه ظافر على النار بحاجتيه الكليتين جميعاً، وهما العزَّان: عز الدنيا، وعز الآخرة.


{فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (8)}
{أَنَ} هي المفسرة: لأنّ النداء فيه معنى القول. والمعنى: قيل له بورك فإن قلت: هل يجوز أن تكون المخففة من الثقيلة وتقديره: نودي بأنه بورك. والضمير ضمير الشأن؟ قلت: لا، لأنه لابد من (قد).
فإن قلت: فعلى إضمارها؟ قلت: لا يصح؛ لأنها علامة لا تحذف. ومعنى {بُورِكَ مَن فِي النار وَمَنْ حَوْلَهَا} بورك من في مكان النار، ومن حول مكانها. ومكانها: البقعة التي حصلت فيها وهي البقعة المباركة المذكورة في قوله تعالى: {نُودِىَ مِن شَاطِئ الوادى الأيمن فِي البقعة المباركة} [القصص: 30] وتدل عليه قراءة أبيّ. {تباركت الأرض ومن حولها}. وعنه: {بوركت النار}؛ والذي بوركت له البقعة، وبورك من فيها وحواليها حدوث أمر ديني فيها: وهو تكليم الله موسى واستنباؤه له وإظهار المعجزات عليه؛ وربّ خير يتجدّد في بعض البقاع، فينشر الله بركة ذلك الخير في أقاصيها، ويبث آثار يمنه في أباعدها، فكيف بمثل ذلك الأمر العظيم الذي جرى في تلك البقعة. وقيل: المراد بالمبارك فيهم: موسى والملائكة الحاضرون. والظاهر أنه عامّ في كل من كان في تلك الأرض وفي تلك الوادي وحواليهما من أرض الشام، ولقد جعل الله أرض الشام بالبركات موسومة في قوله: {ونجيناه وَلُوطاً إِلَى الأرض التى بَارَكْنَا فِيهَا للعالمين} [الأنبياء: 71] وحقت أن تكون كذلك، فهي مبعث الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم ومهبط الوحي إليهم وكفاتهم أحياء وأمواتاً.
فإن قلت: فما معنى ابتداء خطاب الله موسى بذلك عند مجيئه؟ قلت: هي بشارة له بأنه قد قضى بأمر عظيم تنتشر منه في أرض الشام كلها البركة {وسبحان الله رَبّ العالمين} تعجيب لموسى عليه السلام من ذلك، وإيذان بأنّ ذلك الأمر مريده ومكوّنه رب العالمين، تنبيهاً على أن الكائن من جلائل الأمور وعظائم الشؤون.


{يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (9)}
الهاء في {إِنَّهُ} يجوز أن يكون ضمير الشأن، والشأن {أَنَا الله} مبتدأ وخبر. و{العزيز الحكيم} صفتان للخبر. وأن يكون راجعاً إلى ما دل عليه ما قبله، يعني: أنّ مكلمك أنا، والله بيان لأنا. والعزيز الحكيم: صفتان للمبين، وهذا تمهيد لما أراد أن يظهره على يده من المعجزة، يريد: أنا القويّ القادر على ما يبعد من الأوهام كقلب العصا حية، الفاعل كل ما أفعله بحكمة وتدبير.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8